الأربعاء، 5 أغسطس 2020

الري المصري في ملكال شاهد صامت

✍🏿الري المصري في ملكال شاهد صامت

كتب لواء بشرى احمد ادريس
نكتب عن الرى المصرى فى مدينة ملكال ، وفى النفس حزنا نبيل على ماضى جميل ، تنتابنا سكرات الحنين وومضات الاشتياق للمكان والزمان الذى ولى ، نكتب عنه والنستلوجيا تؤرقنا عندما نتوسد الظلام تجتر الذكريات أطراف النهار واناء الليل ، نكتب قبسا من ماضى زاهى فى مدينة زاهية ، ونرسم بالكلمات لوحة وضاحة داخلها يتلألأ الرى المصرى تحكى عن قصة مدينة كانت ملهمة للسلام والوئام🖋 لنضعها على مشكاة حائط التاريخ نكتب شذرات من حقائق يزهو بها كثيرين وينكر قلة وحفنة من الناس.
ان قدسية وعظمة تاريخ ملكال تلقى علينا عبء الكتابة التوثيقية فإن لم نفعل فلك العتبى يا ملكال حتى ترضى .
نكتب شاهدة عن ذلك التلاحم والتراحم البشرى والذى كان لبنة وأساس لبناء وتطور ملكال.
✍🏿الرى المصرى فى ملكال وما أدراك ما المصرى..
تقف اليوم مع شاهد على العصر الذهبي لمدينة ملكال يحكى لنا كيف كانت ملحمة بداية بناء الرى المصرى وكيف كانت استمراريته ورفاهيته ، وكيف كانت مآلاته وصيرورته ونهايته التراجيدية ، نقف مع كل شجرة وثمرة مانجو ، جوافة ، برتقالة ، لارنجا ، يوسفى ، نقف لنعيد لنسترجع سماع هفيف شجره وخرير مائه وهو ينساب نقيا بين الجداول والشمائل ، ونستنطق حجره ، نقف لندرس عظمة فكرة وفطرة ذاك الإنسان حينما كان يبنى ويعمر ، حتى صار الرى المصرى ليس فقط مقر ومستقر للإنسان ، بل كان روضة للطيور واسراب طير الرهو ( البجبجا ) المهاجرة ، وكان منبت لنبات الموليتة والتمليكه والطقطاق ، وكان نشوة للقمارى ومرتعا للقراقير ، نقف وزهرات التوتيا تنثر عبقا حالما نحو ثم نخطو بفرح لنقف تحت أشجار الزونيا التى كست ثمارها ألسنتنا باللون البنفسج ، وهى فى اصطفافها قبالة النيل كأنها فى عناق سرمد مع شفق الغروب وهو يقبل مياه النيل فى منظر وهاج.
✍🏿 يعتبر الرى المصرى علامة فارقة فى تحول ملكال من قرية صغيرة للشلك إلى مدينة نابضة بالحياة زاخرة بالانسنة ، مدينة راقية بالعلاقات الراشدة ، وذلك بعدما وقع عليها الاختيار بواسطة المصريين لتكون مركزا لأبحاث وتتبع مناسيب النيل الابيض ، بعدما غمرت الفيضانات التوفيقية نسبة للخديوى توفيق باشا وهى أصلا قرية من قرى الشلك اسمها ( دور ) كانت رئاسة للاورطة 12 ( الاورطة تنظيم قديم للجيش وتعرف الآن باللواء مثلا اللواء الرابع مشاة...الخ )
وقع الاختيار للمكان الذى شغله الرى المصرى نسبة لارتفاعه النسبى عن بقية شواطئ ملكال ، مساحتة تقريبا تسعة كيلومترات مربعة ، ويمتد جنوبا / شمالا و شرقا / غربا .
🖋بدأت التحضيرات اولا للمنشآت من مكاتب ومنازل عامى 1903/1904م ( معلومات من شاهد من الرعيل الأول للرى المصرى ، العم إبراهيم جالدونق ، رحمه الله ) .
فى عام 1905--1906م تم بناء نمرة 8 ، 9 ، 10 والمكاتنب ومرسى البواخر والورشة والثلاجة ، وابور النور الذى كان يتم ترحيل فرنس التشغيل عبر خط سكة حديد داخلى ، وشملت المنشآت بعد ذلك النادى العربى والمدرسة التى تعاقب فى الدراسة بها عدد من أبناء ملكال جنبا بجنب مع أبناء المصريين ، أيضا تمت سفلتة الطرق الداخلية بالرى ، وقد غلب طابع هندسة البناء المصرى على كل المنشآت ، وقد استحدث المصريون اروع طريقة لرى الغطاء النباتى البستاني وهى طريقة الرى الدائرى.
جدير بالذكر أن مواد البناء من طوب أحمر وحجارة واسمنت ورمل كانت تستجلب من الشمال مثلا الحجارة كانت من جبل أولياء محملة على البواخر النيلية ( الكراكة عقرب ، الرفاس بنكس ، الرفاس بنصر )
ظل العمل يتواصل بجهود جبارة وتدفق العمال من كل صوب وحدب الى ملكال خاصة جنود الاورطة 12 وبقية الاورط بعدما تم تسريحهم ، ومع ازدياد اعداد العمال تم اختيار البقعة شمال ملكال لتكون مقر لسكن واقامة العمل ، ولما كان العدد الأكبر من الجنود المسرحين اصبح اسم الملكية هو الإسم السائد.
🖋 بغض النظر عن الأراء المناهضة لوجود المصريين فى السودان إلا أن الرى المصرى فى ملكال لعب دورا كبيرا فى حركة التطور وأحدث نقلة حضارية ساهمت بدرجة كبيرة بأن تصبح ملكال متميزة عن باقى المدن ، حيث ان سكانها لحمة اجتماعية فى منتهى التناسق ورتق فى منتهى التوادد ، فنعدما نتنسم هذه الذكريات العطرة عن الرى المصرى واجب علينا التحية والتجلة والترحم على رجال أوفياء اصفياء حول الرى المصرى
ارسوا قواعد العمل الإدارى والمحاسبى والحرفى جعل من الرى جوهرة مدينة ملكال .
إن قائمة الشرف تطول لا يسعها المجال لكننا نذكر ونخلد ذكرى أسماء على سبيل الذكر وليس الحصر:
العم الحاج احمد فرح والد الأستاذ الجليل عبدالاله
العم يعقوب بلال والد الأخ كمال المدير الاسبق لمطار الخرطوم الدولى وكان له فضل على مطار ملكال
العم شريف محمد على والد الأخ محمد شريف أحد نجوم كرة القدم بملكال
العم محمد الامين والد الأخ بدوى
العم عبدالله مرسال والد الأخ المرحوم المحامى مرسى والاستاد حسن ( تندل)
العم درويش والد الأخ كرم وسلمى
العم ماهر عبدالسلام أحد رموز سينما ملكال
العم بحر بكير والد الأخ المرحوم فريد
العم محمد الحسن والد الأخ الأستاذ ابراهيم والأستاذ عوض والمرحوم كامل
العم جعفر الزمزى والد الأخ الدفعة مولانا عبدالمنعم
العم الطيب عبدالهادى والد الأخ عبدالحارث واخوانه
العم فضل المولى مرجان جد الاعلامى الكبير جلال على كاشف
العم قسم فضل المولى والد الأستاذ ابرهيم
العم عبدالله بشير والد الأخ العميد نادر
العم محبوب عبدالله والد الأخ أحمد قاضى محكمة الاستئناف
العم قسم الله فرج الله والد الأخ الأستاذ عبدالقادر وبدون
العم محمد عبدالله الشايب
العم الخفير المرعب مالينا
العم الجاك بلال والد الأخ يحيى..
✍🏿 الرى المصرى شهد ميلاد الممثل المصرى الكبير كمال الشناوى فى الثلاثينات كما ذكر هو فى أحد اللقاءات وبأنه لا ينسى طفولته فى ملكال عندما اكل ثمرة الشطة، وكذلك شهدت ملكال ميلاد أحد وزراء الرى المصريين الاسبقين واسمه عادل راضى .
ظل الرى المصرى رافدا لمدينة ملكال بكثير من الايجابيات إلى أن تحول إلى ظلام من ضياء حين حلق فى سماء ملكال طائر الشئوم وجثمت عليها تراجيديا الخراب .
شكرا
لواء بشرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني بقلم / بول فيتر قونج حين أغمض عيني، أرى ملكال. أراها كما كانت، لا كما صارت. مدينة صغيرة لكنها كانت بحجم...