الأحد، 8 يناير 2012

وما أدراك ما الملكية؟؟

سيف الدولة صالح
في كل من مدن جوبا وملكال بجنوب السودان , يوجد حي يسمى حي الملكية ويعَرف بالمدينة التي هو فيها فيقال, الملكية جوبا والملكية ملكال .
تمتاز احياء الملكية هذه في جنوب السودان بكونها كيانات اجتماعية ثقافية والى حد ما اثنية ذات خصوصية اكتسبتها بفعل ظروف نشاتها. هذه الخصوصية لم تفقدها هويتها وشخصيتها الجنوبية الى جانب اكتسابها خصائص وميزات اجتماعية وثقافية لا توجد في المجتمعات الجنوبية التقليدية المدنية والريفية على حد سواء واعني بها تحديدا الدين الاسلامي وثقافة وسط السودان وتعدد الاعراق (المتحدة) مع لاعراق الجنوبية داخل هذه (الملكيات) والمعرفة الجيدة باللهجات العربية والجنوبية.
هذه (الشربكة )الثقا اجتماعية هي نقطة قوة وتفرد هذه الكيانات الجنوبية المنشا والموطن والمتعددة الاعراق ، وبالعودة الى تاريخ وظروف نشاة الملكيات في الجنوب , نجدها تشترك تقريبا في اسباب النشاة.
اولا:- معروف تاريخيا اشتراك الجنوبيين ممثلين في بعض القبائل خاصة في اعالي النيل وبحر الغزال في جيوش المهدية وعند انتهاء وخمود الثورة المهدية عاد بعض مجاهديها الجنوبيين الى مواطنهم الاصلية وتخلف الاخر في مدن اخرى في غير الجنوب مثل : كسلا – تلودي – مدني.كادقلي والتي بها كيانات مثل الملكية الى يومنا هذا.
ثالثا:- عند الشروع في بناء عواصم المديريات الجنوبية الثلاث في عهد الاستعمار الذي استعان باسطول ضخم من البواخر النيلية, تمت الاستعانة بايدي عاملة ماهرة من حرفيين من خارج الجنوب وهم من اصول عرقية غير جنوبية اتو وعملوا في بناء المنشات ومن ثم العمل بها ولاحقا الاستيطان في هذه المدن مكونين نواة مجتمع جديد نتج عن اختلاطهم مع السكان المحليين . ولعل اكثراحياء (الملكيات) شهرة هو حي الملكية ملكا ل اذ تتمثل فيه النماذج الثلاثة سابقة الذكر. وهناك روايات اخرى لنشاة الملكيات.
ظلت كيانات الملكية تنمو وتزدهر في الجنوب( كجنوبيين نوعيين) لهم واضح الاثر في مجتمعات مدنهم فساهموا الى حد كبير في نشر الاسلام الذي هو معتقدهم من خلال الطرق الصوفية (ترزية). ولانهم كانو اكثر مدنية من الاهالي اهتموا بادخال ابنائهم المدارس فتاهلوا في شغل الوظائف الوسيطة لزمن طويل (الحسابات- الكتبة- التدريس) فكانت مجتمعات الملكية مجتمعات مدنية في بيئة الجنوب الريفية بفضل الاسباب انفة الذكر .
ولمجتمعات الملكية قدرة عالية لاستيعاب كل العناصر البشرية السودانية ,ومهم جدا الاشارة الى الريافة في ملوط كاحد مكونات الملكية في اعالي النيل وهم من اصول دينكاوية مصرية منذاكثر من قرن , وهذا موضوع لنا اليه عودة . وقد برزت هذه المجتمعات وازدهرت فيها حركة الرياضة والفن مثل ماهوشائع في الملكية ملكال مثلا فأخرجت لنا في الفن والموسيقى احمد مرجان قائد سلاح الموسيقى الاسبق و الذي لايعرف الكثيرون انه من ملكال قبل الكوة والاخوين اسحق ودر ديري احمد الشيخ استاذ الموسيقى بجامعة السودان والمرحوم عبد الله أبكر والفنان محمد جمعة امان وصلاح اموم ومحسن اوطو(لاحظ ازدواجية الاسماء) وانتشر غناء التمتم على ايدي مغنيات الملكية, وازدهرت فيها الرياضة بشكل لافت في كرة القدم ولمعت اسماء مثل شاويش جوشن وصالح بوب وعزالدين بادي وكمال رابح ولاننسى البطل القومي في الملاكمة سعيد عبد القادر صاحب او ل ميدالية ذهبية اولمبية سودانية!!
والمهم ان مجتمعات الملكية امتزجت مع المجتمعات المحليةمكونين اجيال جديدة تحمل ثقافة الملكية والعرق المختلط والعقيدة الاسلامية, وكان مستوى التعايش والتسامح بينهم والاخرين عاليا جدا بحكم انهم جزءا من المجتمع, ولذا عرف في مجتمعات الملكية عدم الاهتمام بالسؤال عن العرق والقبيلة متجاوزين ذلك الى المواطنة والانسانية وليس صحيح ان سكان الملكيات ليس لهم اصول معروفة لكن تداخلت فيهم الاعراق وانصهرت وهذا ما ينادي به البعض الان سواء ان كانوا دعاة السودانوية او دعاة السودان الجديد او خلافها من مسميات فكرتها هي ما جسدته الملكيات في الجنوب وفي كل انحاء السودان بما فيه الشمال في مدن كسلا –مدني –تلودي –كوستي. بل ا ن ام الملكيات في تقديري وبالفهم اعلاه هي مدينة ام درمان في اعرق احيائها العباسية , وبانت,وحي الضباط, والملازمين, والموردة.
سيف الدولة صالح
Seif560@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني بقلم / بول فيتر قونج حين أغمض عيني، أرى ملكال. أراها كما كانت، لا كما صارت. مدينة صغيرة لكنها كانت بحجم...