الخميس، 28 مايو 2020

ملكال الأصالة و التاريخ

ملكال الأصالة و التاريخ
كتب لواء ش م عصام الدين عثمان الزين

أكتب هذا المقال لدى وصولي إلى نيروبي عاصمة جمهورية كينيا و ذلك بغرض زيارة بعض الأصدقاء و قد جاءتني هذه الخاطرة عن مستقبل ملكال الأصالة والتاريخ و تداعيات منح مدينة ملكال و جزء من اراضي الشلك بقرار جمهوري رقم 36 لمن لا يملك .
اخوتي في الوطن و في شتات الأرض ان الضعيف لا يتمسك إلا بالسرد التاريخي عسى و لعلا يستمع المنصفون لنداء من يدعو إلى إقامة العدل و المساواة في الأرض.
المعروف أن حاضرة مديرية اعالي النيل هي مدينة توفيقية التي اسسها غردون باشا لدى عودته الثانية للسودان كحاكم عام للسودان عام 1877م – 1879م عندما اصدر أمراً إدارياً بإنشاء مراكز لمراقبة الرقيق على النيل و كانت توفيقية واحدة من ضمن هذه المراكز يليها مركز غندكرو بالإستوائية , و كان ذلك بمقتضى فورمان من خديوي مصر حينذاك الخديوي توفيق .
بينما المنطقة الحالية و التي تسمى ملكال كانت عبارة عن قرى متبعثرة يقطنها افراد من قبيلة الشلك ... حي المديرية لم يكن سوى حلة من حلال منطقة وارجوك كان يقطنها شلكاوي يدعى اكول ادونق و تعود جزورة إلى اصول فونجية كان المذكور يقوم بزراعة المساحات الواسعة و يرعى فيها مواشيه و من احفاده (نقور نيوضو) من منطقة اوليلو .
بينما كان الجزء الجنوبي الشرقي يسمى ضوكوط فاج و قد سكنه بمرور الزمن عرب البقارة و اشتهر بحي العرب .
أما منطقة دنقرشوفو كان إسمها بلغة الشلك ( اونقيلي نام ) إلا ان شاويش شرطة دانيال شوقو و وكيل عريف وليم كانا هما من اقترحا هذا الإسم فإعتمدت الحكومة الإسم و صار معروفاً بدنقروشوفو و هذه المنطقة يفصلها خور الضفة الجنوبية وتسمى بضفة ابوتوا و هي اعشاب مثل الحنظل اوربما وتستخدم لطرد الحشرات و البعوض, بينما الضفة الشمالية تسمى ( ضفة اورور) و معناها خرير الماء .
و تشير الروايات ان نقل العاصمة إلى ملكال كان لتعرض مدينة توفيقية للفيضانات و السيول و هي منطقة هشة عرضة للكوارث ما جعل الحكومة تفكر في نقل العاصمة الى المقر الحالي , لذلك إتصلت السلطات بمك الشلك للتشاور حول هذا الأمر و كان ذلك إبان عهد المك قوانق واديور المعروف بجوزيف يور فافيني و ذلك عام 1944م – 1917م . و ذلك في غضون الحرب العالمية الأولى كان المذكور يتخذ من منطقة (Goli bang ) مقر لعرشه .
اما الرواية الثانية على لسان افراد الشلك تقول أن نقل العاصمة لم يكن إلا بسبب تفشي مرض فيها و هو وباء الكوليرا التي فتكت فقط بالأجانب و لم تصيب السكان المحليين و قد تم تفسير ذلك بأن الملكة أبوضوك نايبوج و هي الوحيدة من الجنس اللطيف التي حكمت أمة الشلك غير راضية بتواجد الأجانب بالقرب من ضريحها بمنطقة طورو , ما جعلها تبعث بلعنة على المنطقة .
تفهمت السلطات المصرية الإنجليزية هذه الأسباب و فعلاً شرعت في نقل العاصمة إلى ملكال و ذلك حوالي عام 1925م بعد التشاور مع المك قوانق واديور قام الأخير بمناشدة رعاياه الشلك خاصة أهالي منطقة وارجوك وليلو اوبوار بمنح هذه الأراضي للحكومة في مقابل تقديم الخدمات و اشترط المك بأن تسمى هذه المدينة بإسم القرية التي أسسها المك Diwad Wad Ocollo (1635 -1650) و هي قرية ( مال باكال ) اي ( مدينة السماء) وهي تقع في الجزء الشمالي من المدينة .
المعروف أن الإستعمار الإنجليزي عندما يرغب في تنفيذ اي مشورع يشاور الخبراء الانثربولوجيون و هو بدورهم يلتزمون بالمنهج الذي يدعو إلى مشاركة السكان المحليين في إحداث اي تنمية في اي بقعة من بقاع افريقيا الواسعة .
هذا هو تاريخ ملكال اصدقائي الأعزاء اسسها الإنجليز بعد الحرب العالمية الأولى و كانت ترجع اهميتها لقربها من شمال السودان حيث مقر الحاكم العام فضلاً عن انها ميناء رئيس يربط الشمال بالجنوب , و بها مستعمرة الري المصري تقوم بقياس و مراقبة مستوى أعالي النيل العليا , و هي ثاني اكبر مدن جنوب السودان بعد مدينة جوبا . فقد نشأت و تطورت و أتسعت مساحتها على مر العصور قامت و نهضت على أنقاض الأحياء المذكورة سلفاً على الضفة الشرقية للنيل الأبيض .
حيث تتكون من حي اصوصا و هي ثكنات لأسرى الجيش الإيطالي و هي كلمة إيطالية معناها الثكنات كان يقطنها الشرطة و قوات دفاع السودان الذين يقومون بحراسة الأسرى .
و السوق الكبير و كان يسمى ( بسوق كال وارجوك ) لأن معظم الخضراوات تجلب من هذه المنطقة ثم سوق سينما او سوق العياشة ثم يليه حي الإشلاك ( بوليس عصاية ) أو بوليس المدينة .
ثم قام الإنجليز ببناء ثكنات للجيش في الموقع الحالي ( الحامية ) قام بتنفيذها مقاول ايطالي تزوج من إمرأة جنوبية اسمها خميسة ( نيامولي ) كانت تعمل ملاحظة بإدارة الأشغال , و كانت المذكورة تركب الدراجة الهوائية و تلبس البنطال و كان هذا يعد أمراً غريباً على الناس و في الجزء الشرقي قامت الحكومة بتنفيذ مشروع احمد الجاك و ذلك بزراعة اشجار البان و الطلح و كان الشلك يطلقون عليها إسم ( كال الوي ) و جاء إسم أحمد الجاك من إسم الملاحظ الذي كان يشرف على المشروع و هو اويور احمد الجاك كان المذكور جندياً بقوات دفاع السودان برتبة شاويش و عندما احيل الى المعاش التحق بالعمل أولاً بإدارة الأشغال ثم تم إنتدابه بادارة الغابات حيث أشرف على المشروع المذكور و هو من أبناء تونجة له ابناءه منهم خضر اجاك و نياماج و عايشة . ثم أنشأت الحكومة أحياء بحي الملكية بأسماء القبائل :
حي الشلك - حي الدينكا - حي الزاندي - حي النوبة - حي الدناقلة – حي البيطرة
و هذه الأحياء خصصت للمعاشيين من عناصر قوات دفاع السودان الذين خدموا حكومة الإستعمار إبان الحرب العالمية الأولى بينما خصص للجلابة حياً خاصاً بهم منعزلاً عن الاحياء الأخرى ربما لأسباب تتعلق بمحاربة الثقافة العربية الإسلامية و قام الملك فاروق ببناء مسجد ملكال العتيق الذي يعد من المعالم البارزة للمدينة و تم بناءه من بقايا الحجارة التي بني بها مسجد ارباب العقائد بالخرطوم .
و ربما ذلك لإحترام مشاعر السكان المحليين الذين لا يرون في الجلابة سوى تجاراً للرقيق . و أنشأت الحكومة في الجزء الشمالي من المدينة حي البيطرة و المطار و الدايات و حديقة الحيوانات و إشتهرت عند الشلك بإسم ( كال اوغال ) اي منطقة ( البغل و الحصين ) المعروف أن الدواب كانت في ذلك الزمان هي الوسيلة التي تستخدم للتنقل , في هذه الأثناء صارت مدينة ملكال مدينة الجميع فقد وسعت القبيلة صدرها و تقبلت التعايش مع القبائل الأخرى طالما كان ذلك برضاء ملكهم , و في اعقاب الإستقلال شهدت المدينة موجة من المد السكاني التي جذبتها نحو المدينة فقد ظهرت احياء جديدة شعبية و أخرى راقية تموج بالحركة و تزخر بالنشاط بفضل ما يقوم بها من مراكز للخدمات و البنوك و الفنادق .
تلك هي ملكال التي تعد عند الشلك مسألة الموت او الحياة , فهي عندهم القلب النابض و الذي يرغب في انتزاعها كأنما قتل الشلك جميعاً و في الختام اهدي هذه الأعنية المترجمة إلى شتات الشلك في المعمورة .
قال الشاعر / جاقو اكوكو واد اونيانق لسان حال الشلك في رثاء جده
إن الذنب ذنب الحكومة التي منعتني ان اتعايش مع زعمائي
في عالم مستقراً * بينما انا متشرداً
و لكن ستشرق الشمس يوما ما على جانب البلد
برغم أن ليلو قد اضحت مرتعاً خصباً للوحوش
و هذه الشجرة العملاقة ستسقط رأساً على عقب دون ذنب
و بعدها ستسقط المدن الكبيرة واحدة تلو الأخرى
أصدقائي تأملوا جيدا هذه الحكمة
أدعوا الذي يحفظها أن يغنيها منفرداً
اللهم إني قد بلغت فإشهد
[٢٤/‏٥ ١١:٣٧ م] عصام زين: الفنادق .
تلك هي ملكال التي تعد عند الشلك مسألة الموت او الحياة , فهي عندهم القلب النابض و الذي يرغب في انتزاعها كأنما قتل الشلك جميعاً و في الختام اهدي هذه الأعنية المترجمة إلى شتات الشلك في المعمورة .
قال الشاعر / جاقو اكوكو واد اونيانق لسان حال الشلك في رثاء جده
إن الذنب ذنب الحكومة التي منعتني ان اتعايش مع زعمائي
في عالم مستقراً * بينما انا متشرداً
و لكن ستشرق الشمس يوما ما على جانب البلد
برغم أن ليلو قد اضحت مرتعاً خصباً للوحوش
و هذه الشجرة العملاقة ستسقط رأساً على عقب دون ذنب
و بعدها ستسقط المدن الكبيرة واحدة تلو الأخرى
أصدقائي تأملوا جيدا هذه الحكمة
أدعوا الذي يحفظها أن يغنيها منفرداً
شكرا سنواصل من حديث عن ملكال الأصالة والتاريخ
د.عصام زين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني بقلم / بول فيتر قونج حين أغمض عيني، أرى ملكال. أراها كما كانت، لا كما صارت. مدينة صغيرة لكنها كانت بحجم...