الأربعاء، 5 أبريل 2023

ذكريات مدينتي ملكال (النور عابدين - باب كرنك)

كتب أ. ياسر محمود سيد أحمد ذكريات مدينتي ملكال والتي أضحت مدينة في دولة أخري لا تزال تراودني في صحوي وفي منامي فأنا لا أنسي النور عابدين الشهير (بأب كرنك) ذلك الصبي المفتول العضلات رغم اعاقته في احدي رجليه إلا أن الله حباه بقوة جسمانية هائلة وذكاء اجتماعي فذ. لا زلت أذكره وأنا ابن العاشرة من الأعوام كيف كان يتصدي لشجارات لعب (البلي) و(القرقور) في مدينتي ملكال مع صبية المدينة والجانحين منها. كانت ملكال تحتفي باتفاقية السلام التي أعلن فيها وقف الحرب بين جيش (الانانيا) وجيش حكومة السودان وكان الاحتفاء بها تاريخ 1974/3/3بعد عام من توقيعها. كانت هجرات مئات من الأطفال ومن بلغوا مرحلة الصبا ضمن المهجرين لظروف تلك الحروب مئات من الأطفال المشردين ممن فقدوا عائلاتهم كانوا صبية بلا سند اسري أو حتي قبلي عاشوا في سوق المدينة فتمت تسميتهم ب (النغارات) وهو الاسم المقابل لهم في مدن الشمال (الشماشة ). ومادعاني لذكر ذلك أن النور عابدين ابن الأسرة المحترمة في حي( الجلابة) لم تكن أسرته من ضحايا التمرد ولكن النور كان متمردا في ذاته كان صديق الجميع ونصيرا لكل ضعيف اندمج في وسط ذلك المجتمع فصار أحد منهم. رغم أنه كان طالبا في مدرسة الثورة الابتدائية التي كانت تجاور مدرستنا البندر ولم يكن بين المدرسين فاصل أو حائط لكن مدرسة البندر كانت مدرسة ومنذ تاريخ إنشائها كانت لا تقبل من الطلبة إلا أبناء كبار الموظفين وأبناء التجار وأبناء كبار قادة الجيش. كان النور يصارع داخل المدرسة ولكن فقط في الحدود الفاصلة بين مدرسة البندر ومدرسة الثورة التي لم يكن بينهم فاصل ، في أغلب ظني تمت تسميتها بالثورة في أعقاب حكومة عبود. ولكن اللافته المكتوبة تشير أي أنها أنشئت في أربع بنات القرن الماضي. مدرسة البندر تفتح بوابتها في اتجاه جنوب المدينة وتطل إطلالة مباشرة الي حي المديرية الفخيم حيث أبناء الموظفين الذين يسكنون في تلك المباني الفاخرة والتي تفوق مساحة المنزل مايقارب الألف من الأمتار والفيلا الأنيقة تحتل حيز يسير والأشجار والأزهار تحيط بفناء الدار لا أدري في عهد الحكومات الوطنية خلقت تلك الجنة الرائعة. ولكن لنعد لسيرة النور ميناء ملكال ذاخرة بالحياة في أعوام سبعينات القرن الماضي عشرات الصنادل النيلية تقف قبالة الميناء في انتظار تفريغ البضائع. صبية ملكال مولعون بالسباحة في النهر والقفز من أعلي قمة من البواخر فكان النور يقفز من أعلي باخرة موجودة وهي ثلاث طوابق وأغلب ظني تفوق من أعلي ساريتها الأثني عشر مترا. كان ذلك (الدايفرون) كان النور بطل مجيد يقفز من ذلك الأعلي ويغطس (ويقلع) في مكان آخر رغم احتشاد الميناء بكثير من الصنادل فكنا نخاف عليه فهو بطلنا القومي أن يضيع وينوه في وسط تلك الصنادل. في سنة ما من سنوات السبعينات قام النور اب كرنك يرافقه رفيق دربه حسن صديق بزيارة الي العاصمة الخرطوم فأتوا بحكاوي عجيبه عنها رغم معرفتنا ببعض أجزائها الي أن حكاوي النور كانت عن العالم السفلي وما يحدث وراء السينمات الامدرمانية في ازقتها الخلفية تلك العوالم الممنوعة لنا فحتي الحديث عنها يضعك في دائرة الجنوح فحكي عن أزقة السينما وبار (عبير) وبار (الرخام) و(الريفيرا) وصالة (سان جيمس) وصالة ال(gmh) وتلك العوالم التي تبدوا لنا خفية ولايفك طلاسمها إلا جانح حاذق. أذكر في أواخر السبعينات ان النور قد افتتح محل لصيانة الدراجات تحت الشجرة في ميدان المولد وكان محل لتجمع الكثيرون الباحثين عن التعليقات الذكية والنكات والنور معلم كبير في فنون الحديث والحكي الصريح منه والدلالي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني بقلم / بول فيتر قونج حين أغمض عيني، أرى ملكال. أراها كما كانت، لا كما صارت. مدينة صغيرة لكنها كانت بحجم...