العودة إلى ملكال... أ. ياسر محمود

العودة الي ملكال ياسر محمود

كانت الغابة والصحراءْ امرأةً عاريةً تنامْ على سرير البرقِ في انتظارِ ثورها الإلهي الذي يزور في الظلامْ. ديوان العودة الي سنار محمد عبد الحي حين قررت الذهاب الذهاب الي مدينة ملكال مسقط رأسي ، وكنت يومئذ طالبا حضرت في إجازتي السنوية من القاهرة ، فكان ينتابني الوجد ، كنت عاشق يلاقي معشوقته بعد سنين طوال ، فالعودة للحبيبة بعد أكثر من أربعة سنوات من الغياب القسري ، قد يوجب فسخ الخطوبة وفي الزواج يوجب الطلاق ، ولكن لعشق المدن شيء ٱخر . لحظتها طافت بذهني ماذا سأقول لأهلي من سكان المدينة هل سأقول مثلما قال الطيب صالح الي أهله في دومة ودحامد في رائعته ( موسم الهجرة الي الشمال ) حين ٱب بعد غيبته الطويلة : ( عدت إلى أهلى يا سادتي بعد غيبة طويلة سبعة أعوام على وجه التحديد، كنت خلالها أتعلم في أوروبا. تعلمت الكثير وغاب عنى ، وذلك حين ٱب من سفرة الطويل . فزكريات الطفولة وتباريخ الوجد وأحلام صباي التي ظلت تطاردني في منامي ، فحين انام تكون احلامي عن مدينتي ملكال ، رغمي اقامتي في مدينة الالف مئذنة والالف من السنوات ، الا أن شوقي لمئذنة واحدة تقف شامخة في تلك المدينة كنت قد اقمت فيها اكثر من الثلاث اعوام ، وكما زكرتها مسز روبنسون في رواية موسم الهجرة الي الشمال : أن لونها مثل لون القاهرة رماديا أخضر يتحول بالليل الي وميض مثل وميض كوميض اليراعات ، فأنا ذاهب الي مدينة يضيء يراعاتها الليل . فكل ما قرأته عن روايات التاريخ منذ (مينا الأول ) موحد القطرين و(خوفو) (خفرع) (منقرع) ، و(الاسكندر الاكبر) ففي ساعات نومي ظهر لي كثير ماترسب في عقلي الباطن . فلا (نفرتيتي) و(اخناتون) و(ٱمون رع) ، ولكن نهر الديانات القديمة ، الذي يعبر وينساب صوب الشمال ، منطلقا من بلاد (نيكانج) الذي خرج امن النهر واختفي فيه ٱختفائه الطقسي ، مملكة (شلو ) علي ضفتي النهر حيث (الطواطم) صوب بلاد الأديرة . ففتوحات عمرو العاص والمعز لدين الله الفاطمي وجوهر الصقلي وذلك الازهر تلك المؤسسة التي تم تشييدها وكنت أقتات من علومها فهي مؤسسة ضاربة في القدم . فإتفاقية البقط ورماة الحدق ، وقلاوون ، فأنا أنام متئكا علي كل هذا التاريخ ، وحتي ساعات السحر ، وحين تأتيني ملكال في الحلم ، كأنها مدينة قد سحرها كهنة قدماء ، فأري أحلام وقصص طفولتي واصدقائي والاشجار والانهار والفراشات وحتي الضفادع اسمع نقيعها . ففي ساعات السحر تأتيني ملكال في الحلم ، فأري في تلك الاحلام قصص طفولتي اصدقائي والاشجار والانهار وحتي مصارف الانهار زملاء الدراسة ، وحتي الفراشات والطيور التي كنا نصطادها وأزهار يانعة واعشاب تغطي السائرين ، أحلام يعجز ابن سيرين وعامة المفسرين في تأويلها ، لم يراودني حلم بقصور المماليك ولا سيف الدين قطز ولا عز الدين أيبك ، ولكن كنت ولا حتي أري ( إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه ) فكنت اري فتيات قبيلة الشلك وهن يحملن رؤسهن قناديل الذرة فتأكل منه (طيور الجنة) و(ود ابرق) و(عشوشة) ، فلم اري الملكة ،،(شجرة الدر)، بل عيال (المك كور فافيتي) وهم يؤدون رقصة النقارة ذات مساء مقمر وفتياتهن يرقصن ذلك الايقاع وزمجرة الطبول ، وهدير النقاقير كانما يتحدون مع النهر في انسجام ، ويتحدون كل الحضارات القديمة و يقولون ان الاصل كان هنا ، ومن هنا سارت قطرات النبع شمالا لم أحلم بأني : أراني أعصر خمرًا . فقط تتسللت خلال حلمي الي ملكال ، حيث (نابوشاي) تلك الفتاة التي تنام علي تلك الحصيرة داخل تلك القطية أو تلتحف السماء وتتغطي بالسحب والغيوم ، وتنتظر ثورها الالهي الذي يزور في الظلام . فمثلما خرج ،(نيكانق) من النهر وٱختفأ داخل النهر فمصطفي سعيد قد إختبأ في غيابة النهر ، ألم يقل لكم مصطفي سعيد اني أكذوبة ؟؟! حتي لا تبحثواعن الحقيقة . فرسومات غرفة مصطفي سعيد التي تحوي العطور ولوحات لبنات من قبائل الزاندي كأنما مصطفي قد جاب تلك الواكات ذات عام .