الاثنين، 16 أغسطس 2021
سياحة في ضفاف نهر السوباط
سياحة في ضفاف نهر السوباط
!!!!!!!!!!!!!!!!!
في أواخر السبعينات كنت شديد الانبهار بمقر شركة قناة جونقلي والتي قامت علي بعد كيلومترات من مدينة ملكال علي الضفه الأخري من نهر السوباط ، وكنت شديد الاعجاب بالكرفانات التي يسكن فيها عمال وموظفي الشركة الفرنسية والشجيرات التي زرعت امام المساكن ، والكهرباء التي لاتقطع والسوق المزدهر ، وكان هناك متجر وكأنك في فرنسا يبيع حلويات وبسكويتات ومعلبات راقية ، كان بالنسبة لي عالم سحري من عوالم سندريلا ، لكي تصله ماعليك الا أن تركب (البرينسه ) من ملكال ثم تركب ذلك الزورق المنحوت من جذع شجرة كامله عابرا نهر (السوباط) الي ضفته الأخري ، ذلك العالم الذي كان عوام (النوير ) يسمونة (كنانه) حيث تري تلك المدينة الصناعية التي صنعت علي عجل ، تري فيها مالم تري عيناك في كل مدن الجنوب الأخري من نبض الحياة ، فالمعدات من عربات وكل منتجات الصناعة الاوربية الحديثة .فذلك الخلا الموحش قد صار عامرا تضي لياليه المصابيح الكهربائية مثل سكان قريه (ماكوندو) في رواية جابريل قارسيا ماركيز ( مائة عام من العزله ) حين جلب لهم رونالدو الحزين المصابيح الكهربائية وأضاء لهم الشوارع فكان السكان يجلسون أمام المصابيح المضاءة لساعات طويله يتأملونها ، فالتغيير الذي أحدثته الشركة الفرنسيه كان تماما مثل التغيير الذي أحدثته شركة الموز لسكان قريه (ماكوندو) في ذات الرواية
وكم كان منظر الباخرة (بياترس ) الجميلة البيضاء كانت بيضاء اللون فاقع لونها تسر الناظرين كانت تشبه ممثلات (هوليود ) ، كانت تركبها حسناوات أوربيات لم يري سكان المدينه مثلهم منذ أيام أفلام (مارلين مونرو ) و(بارجيت باردو) و(جين فوندا )، وهم يجلسون أمام شاشة سينما ملكال في سنوات خوالي ، الباخرة (بياترس) . كانت تختال بين السوباط وبحر أبيض .
أما المشرع الذي تعبر منه اللواري السفرية لضفة نهر السوباط الأخري مسافرة تجاه جوبا ومناطق أخري ، لي معه حكاوي ، حيث البنطون الذي يحمل عدد اثنين لوري واللواري بالعشرات تصطف في منطقة (خور فلوس) قد يستمر الانتظار يوم كامل وقد يزيد ، يلتقي سائقي واصحاب اللواري السفريه وغالبيتهم من المناقل بالجزيرة ومن بحر ابيض ، و(الأواستن ) قد إصطفت والتي كانت تسمي ب(الأبيض ضميرك) . تشاهد وتجمعات السائقين والجلابه والمساعدين وحتي مساعدي الحله ، يتسامرون يحكون شجو سفرياتهم الطويله ومايتشابه من المواقف والأحداث ويحكون عن مغامراتهم وعبور طرقات كان لهم قصب السبق في عبورها فقد كانوا كشافي الطرقات ، كأنما ينتمون إلي عصر الكشوف الجغرافية ، يعرفون الدرب وكما الدرب كان يعرفهم ، يحكون عن ذلك ، والبعض منهم يحتسون ( عرق العيش) رفيق رحلاتهم الطويلة كما لاحظت ذلك وأنا فية معيه محمد آدم سائق (اللوري ) الذي لا يمل إحتساء العرق ولايمل الحكاوي وكما لايمل الطريق. وكم كان معتد بأنصاريته إذا مادار الحديث عن مخافة الله .
وبعد عبور النهر لم يسلك الطريق الموازي للقنال سار في الطريق الإخر متعللا بوعورة الردميه ، أذكر من المحطات (واو) و(الدوك الأول) و (الدوك الثاني) و(ا لكنقر ) وغابة الفيل حتي دخلنا مدينة ( بور) .
وفي صباح اليوم التالي والغيوم تحجب الرؤية صحوت من غفوتي وأنا أري أن محمد آدم السائق قد أوقف اللوري وسرب ضخم من (التياتل) بحجم الأبقار وهي تعبر الطريق من يسراه الي يمناه متجهه صوب النهر لتشرب الماء ، والآله الحديدية التي يقودها محمد آدم تقف إجلالا لعبور هذا السرب الضخم دون من ولا أذي . وهو يشرب الأنخاب ويتحدث عن قدرة الخالق .
وبعد بور تري الطريق ترابي معبد وعريض وبه لافتات تنبهك وانت تقود والغزلان والحيوانات البرية تعبر الطريق بأن تكون حذرا رفيقا علي حياتها فهذه حظيرة ومحمية الجميزه العالمية .
وفي (منقلا) ذهبت للنهر للإستحمام ووجدت سربا من فتيات (الباريا )عاريات يسبحن مثل الأوز كأنهن جنيات ووقفت مبهورا كما وقف (نور الدين) في كتاب المطالعة أمام بدور وصويحباتها .
ومثلما وقف الشاعر عوض حسن ابو العلا امام فتيات كلية فكتوريا في الاسكندرية علي ضفة المتوسط علي حافة أفريقيا وهو ينشد :-
أي سرب يتهادى
بين أفياء الظلال
يتسنى في جمال
ويغني في دلال
مثل عنقود تدّلى
بشغاف القلب مال .
قالها الشاعر حسن عوض ابو العلاء وهو يتأمل طالبات كلية فكتوريا وهن يسبحن بكامل ملابس السباحة وقد تزيأن بها كأسراب الحمام ، أما فتيات (الباريا) فكن اسراب من الأوز قد خلعن ريشهن مثل بدور بنت ملك الجن وصويحابتها وكنت أنا مثل ( نور الدين) كما حكي كتاب المطالعة للفرقة الرابعة في سبعينات القرن الماضي .
ومثلما تتبع الشاعر محمد ود الرضي سير ملهمته من ا(لاسكلا) صاعدا بحر ابيض حتي شرف الرجاف . فإني قد شرفت الرجاف من مشرع ( خور فلوس) مارا ب (واو) وال (دك فديت) حتي ( الكنقر) و(بور) عابرا (منقلا) و(الجميزه) السياحية العالمية .
وبعد فترة قصيره
تم تغيير البنطون بكبري تبرعت به الحكومة المصرية وكان أحد الكباري التي عبر بها الجيش المصري خط بارليف في حرب اكتوبر ، وكان عبارة عن صنادل صغيرة مربوطه بالحبال علي نهر السوباط تسير بها العربات بإتجاه واحد .
وبعدها مع بداية أحداث الجنوب تم ضرب مدينة القنال التي لم يكتمل نموها العمراني والديمغرافي وتم أسر اوربيين وتم نقلهم الي جبل يوما ، ليتم تحريرهم بعملية وصفت يومها بالنوعية وربما صارت تدرس في الاكاديميات العسكرية .
وتم نهب القنال وماتحويه تلك المساكن من معدات حديثة مكيفات وثلاجات وعربات وكل شيء لتصير مدينة أشباح ، كأنما كانت خيمة عرس ومعازيمها انفض سامرهم . في سنوات لاحقة رأيت أيقونة نهر السوباط الباخرة (بياتريس ) تقف في ميناء ملكال وكانت قد بيعت لأحد تجار مدينة كوستي تقف في مينائها النهري منذ سنوات وصارت خرابة ينعق فيها البوم
ظلت ماكينه الحفر العملاقة المسماة (بالباكرويل ) كتلة حديد صدئة ترقد في العذراء.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني
ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني بقلم / بول فيتر قونج حين أغمض عيني، أرى ملكال. أراها كما كانت، لا كما صارت. مدينة صغيرة لكنها كانت بحجم...

-
الشهيد/ احمد الرضي جابر عمل بالتدريس وتدرج حتى مرتبة الموجه التربوي ومساعدا للمحافظ للشؤون التربوية بمحافظة اعالي النيل (ملكال) وكان س...
-
أسماء خالدة في ذاكرتنا : العم عبيد محمد نور. .. كتب حسن عثمان/ وحسن قسم الله ابوجميل عبيد محمد نور صاحب أشهر بازار فى الإقليم الجنوبي. ...
-
سيف الدولة صالح في كل من مدن جوبا وملكال بجنوب السودان , يوجد حي يسمى حي الملكية ويعَرف بالمدينة التي هو فيها فيقال, الملكية جوبا والملكية...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق