الأحد، 11 مايو 2025

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني بقلم / بول فيتر قونج حين أغمض عيني، أرى ملكال. أراها كما كانت، لا كما صارت. مدينة صغيرة لكنها كانت بحجم قلوبنا، عاصمة ولاية أعالي النيل، لكنها في الحقيقة كانت عاصمة للفرح، للوئام، للحياة المختلطة التي لا يسعها أي توصيف. في ملكال، لم تكن القبيلة هي ما يُعرّفك، بل كانت المدينة تُعرّفك. كنت ترى النويراوي يمشي مع الشلكاوي، والدنيكاوي يجلس مع المسيري واليري، والفلاتة يضحكون مع أبناء مورو. في الأسواق، في البيوت، في الأفراح، في الأتراح… كل شيء كان لنا جميعًا. أتذكر بوضوح احتفالات ذكرى الموتى عند الشلك (يوك) كيف كان الجميع يشارك، الكبار والصغار، حتى من خارج القبيلة، احترامًا وتقديرًا لهذه المناسبة والارث العريق. أتذكر كيف كنا نترك لغاتنا الأصلية أحيانًا، نُخفف منها، نخلطها مع لهجات أخرى، حتى لا تَعرف بسهولة من أي قبيلة جاء هذا أو ذاك. كان ذلك اختيارًا واعيًا، نوعًا من الحكمة الشعبية: لا نريد أن نُثقل المدينة بعُقد القبيلة. وأذكر ليالي القمراء، تلك الليالي الساحرة التي تسبق أعياد الكريسماس. كانت المدينة تشتعل أضواءً وضحكًا وغناءً. كنا نمشي بجانب النيل، نشرب من مائه العذب، ونملأ كؤوسنا بنكهات المريسة، ونسمع حكايات الحكماء الذين يجلسون تحت الشجر، يلقون علينا دروس الحياة دون أن نطلبها. كل ذلك… كل تلك الحياة الجميلة… انهارت. جاءت الصراعات السياسية، جاءت انقسامات الحركة، جاءت الحروب، وجاء معها كل شيء لم نكن نعرفه: الكراهية، الحقد، الخوف، الفقد. صارت القبيلة جدارًا يفصلنا، صار الاسم لعنة، وصارت المدينة مسرحًا لصراع دموي لا يُبقي ولا يذر. اليوم، كلما فكرت في ملكال، يختلط قلبي بين الحنين والألم. أين ذهب ذلك التنوع؟ أين ذهب ذلك الانصهار؟ أين ذهب ذلك الشعب الذي علّمني أن نعيش معًا رغم اختلافاتنا؟ أقف عاجزًا أمام هذا السؤال. لكني في أعماقي أُؤمن بأن شيئًا من تلك الروح القديمة ما زال حيًا، في القلوب، في الذكريات، في ملامح الناس الذين تعبوا من الحرب. أشتاق لملكال القديمة، لا لأستعيدها كما كانت، لكن لأبني منها حلمًا جديدًا. لأن مدينة بهذا الجَمال، بهذا التاريخ، لا يليق بها أن تُدفن في رماد الصراع. ملكال مدينة كانت تعيش من الحب، وستعيش يومًا به من جديد. https://www.facebook.com/share/p/16Cxg9TYRo/

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني بقلم / بول فيتر قونج حين أغمض عيني، أرى ملكال. أراها كما كانت، لا كما صارت. مدينة صغيرة لكنها كانت بحجم...