الأربعاء، 16 يونيو 2021

ذكرياتي.. قصة بلدين.. ياسر محمود

أحبتي رفقاء الزمن الجميل وأبناء المدن الجميلة وأبناء مدينتي الحبيبة (ملكال) اليكم شجوي وتحياتي وبعض من أصداء طفولتي وذكرياتي نفس العطر القديم أسمحوا لي أن أعيد تعيئتة ذات العطر القديم في قوارير جديدة ، قوارير كل تمنياتي أن تكون من فضة ، وأطلب منكم الدعوات بألا يفض فيهي حتي نجمع ماتناثر من كتابات ربما تجد حظها من النشر، ربما ألهمت آخرون سيأتون ذات يوم ليقرأوا قصة بلدين . بدوى أنت - لا - من بلاد الزنج - لا أنا منكم ، تائه عاد يغنى بلسان ويصلى بلسان ............... محمد عبد الحي وفي بواكير الطفولة وسنوات والطلب الأولي وكان هذا العالم مبهم بالنسبة لنا ولا ندري أين أبعد ( قطية) قد بنيت ولا أبعد (شجرة) قد نبتت . والمدارس شيء عظيم أن تلبس ذلك الذي زهري اللون وذلك الحذاء الجميل سواء كان ذلك (الكبك) الذي تنتجه شركة (باتا) وتلبس ذلك (الجورب) الأبيض الطويل وتذهب لذلك المبني الجميل حيث الأشجار الأزهار البيضاء التي تسر الناظرين حيث الكراريس والكتب الزاهية الألوان والحبر والطبشور، فتلك عوالم ظللنا ننتظرها طويلا ونحن نسمع ما تحكيه ألسن إخوة وأخوات أكبر منا . كانت الحكومة توفد للأقاليم الجنوبية مدرسين ذوي كفاءات عالية فأنا وجيلي قد كان معظم مدرسينا من ذات مدينتنا التي بها نشأنا، أستاذنا مختار وداعة من ذات المدينة وهو ابن ذلك الشيخ الورع إمام المسجد الكبير وعزفه علي ٱله العود وتغنيه بالأغاني والأناشيد رسخ لنا بأن الدين والفن لا يتعارضان، أستاذ محجوب عبد الرازق لازلت احفظ درس الجغرافيا وذات مساء في سنوات قريبة التقيته وسمعت له ما درسناه منه في تلك السنوات من دروسه لنا، حدثته عن دروسه لنا الصف السادس رحلة ذلك القطار الطويلة، الذي يتحرك من (فلاد فستك) الي (شيتا) مارا من بحيرة (بيكال) الي (اركتستك) ثم الي (نوفوسفريسك) وهناك خط حديدي يربط موسكو بلينجراد ، أي انه كان يربط قارتي أسيا وأروبا. ربما كثير قد ربط بيننا نحن التلاميذ وبعض أساتذتنا الذين يعبرون بنا هذا العالم، ونحن نجلس في تلك الغرفة التي لا تزيد مساحتها عن الأربع والعشرين من الأمتار بسحن مختلفة طلاب لم يري بعضهم مدن الشمال، حتي ينتقلون بذلك الفصل ذو المبني الصغير ينقلهم الي هذه المدن البعيدة الي عوالم لم يحلموا حتي برؤيتها، كأنه بساط الريح. أستاذ مختار وداعة كان مثل فناني عصر النهضة في أوربا متعدد المواهب فقد كان مسرحيا وعازفا ومغنيا وملحنا، كانت يلحن الأناشيد وهو يمسك بٱلة العود ويعزفها. كما زرياب الأندلسي. في حصة التاريخ يحدثك عن مصر القديمة وأن مصر هبه النيل والذي تجوب قوارب أهلنا الشلك مياهه يصل وأنه بالفعل يصل مدن السودان حتي مصر، وكانت دهشتنا كم واسع هذا العالم .ربما اعتقد بعض التلاميذ أن المقصود هو الري المصري تلك الفلل القصور الجميلة التي كانت تقبع في الجزء الغربي من المدينة وهي تطل علي النيل ، لقد كنا نعتقد أن هذا العالم ينتهي بفشودة حيث يقيم سيدي المك (مك الشلك ) وان حدود الدنيا في غرب النيل تنتهي حيث تغيب الشمس وأن الشمس تغيب عن قرية، (ليلو) في ضفة النهر الأخرى ، فكنا نشاهدها هكذا تغيب، وتشرق من جهات أدونق، وأن مدينة كوستي ينتهي بها العالم في حدود الشمال حيث تصل البواخر، وأن حفرة ضخمة تمتد الي لانهاية عند بلاد (فاس) الما وراها ناس حيث تحكي لنا جدتي عائشة بنت البشير سعيد في ليالي أحاجيها ونحن ننتظرها ونقاوم النعاس حتي تصلي العشاء وهي تحكي لنا عن هذا العالم المثير وكانت تقص علينا أحسن القصص . كانت هناك مسابقة في مجلة الصبيان التي كان يقوم الطالب عصمت عبيد بجلبها من مكتبة والده صاحب المكتبة العامرة ويقوم بتوزيها لمن شاء من التلاميذ في المدرسة بقرشين، والمسابقة ذات جوائز تخلب ألباب التلاميذ ، وقفنا كثير عن سؤال الأرض هل هي مدورة ؟ أم مستطيله ؟ أم بيضاوية ؟، حملنا تلك المجلة وفي معيتي أمي حسن ابن عمي وآخرين حين احتد خلافنا في ذلك الموضوع ، وذهبنا الي عيسي الذي كان يعمل في حلواني عمي حسن سيد احمد ، فأجابنا بيقين لا يخالطه الظن بأن هذه الأرض ( غبشاء) ولم تقنعنا أجابته المقتضبة، ولو صبرنا عليه لقال أنها،(غبشاء) فاقع لونها تسر الناظرين، لو أجابني بتلك الإجابة اليوم لقلت له أنك من الفلاسفة، وانا كلي يقين لا يخالطه الظن بأن هذا العالم أما مستطيل أو مربع، فحبوبتي عائشة بت البشير سعيد التي تفد إلينا من (تندلتي). تلك المدينة البالغة البعد، وتركب القطار الي كوستي، ثم تركب الباخرة (المحلية) حتي تصلنا في ملكال هي من تعرف هذا العالم أكثر . فبلاد ، فاس التي ليس وراها ناس هي نهاية هذا العالم كما تقول لنا وهي تسرد حكاويها. ففي معية أستاذ محجوب عبد الرازق وأنت تركب ذلك القطار في تلك الرحلة الافتراضية الطويلة، كان معظم الطلاب لم يروا القطار في حياتهم ، مثلما لم يروا (الجمل) الذي يكتبون حرفه الأول بخط جميل تزينه تلك النقطة السفلي أحسن تزيين . أستاذ عصام عبيد مثل خبير في وكالة (ناسا) للفضاء يقرأ لك ما في باطن الأرض، ويحدثك عن مشتقات البترول من (مازوت) و(كيروسين) و(بنزين) و(ديزل) و(سولار) ، ومعظم الطلاب لا يعرفون ربما الجاز الأبيض، فقط يعرفه أبناء الأغنياء فيضوون به مسارجهم ومصابيحهم، وماجدوي ذلك والسماء كريمة يضيء قمرها ونجومها لك السائرين . واليراعات تنير حتي يكاد زيتها يضيء ، وروث البقر يضيء حتي الطرقات . كان أستاذ عصام عبيد يخبرك بأودية وأنهار (المسيسبي) و(الأمازون). والأ نهار يومها أنثي صغيرة تتثني وهي تعبر الأودية ، ، مثلما يفعل صناع السينما في هوليوود وما تصنع عوالم التواصل الاجتماعي اليوم ينقلنا في ذلك العالم الافتراضي المدهش ، حتي الدهشة نفسها تلميذة صغيرة تجلس في صف الفصل الأول فيحمر خدها من فرط الدهشة . عوالم (والت ديزني ) وتلك المجلات المصورة ذات الألوان الجذابة كانت تخلب ألباب التلاميذ تداعب أخيلتهم وتلهبها ، تلك البطة التي كانت تقول : كم هذا العالم واسع ورحيب ؟؟ حيث كان يمتد من النهر الي الجبل ؟!!. وقصص سندريلا والأمير فكان كل شيء ملهم . ربما التلاميذ يعبرون ضفة النهر الي قرية (ليلو ) في ضفة النهر الأخرى ، ويعتقدون جازم الاعتقاد بأن هنا نهاية العالم ، وأن (دار المك) في (فشودة؟ هي نهاية العالم وأن الرث هو من يحكم هذا العالم. كما كنا نعتقد نحن القادم آبائنا من مدن الشمال بأن مناطقنا هي نهاية العالم وأن و(ابور) (المحلية) الذي يتجه صوب مدن الشمال يرسو حيث تلك الحفرة الضخمة التي لا قرار لها ، حيث تمثل نهاية العالم . الدراما ومسرح الرجل الواحد تجلت في شخص أستاذنا عبد الله موسي أستاذ المسرح الواحد، لا ادري من أي فجاج الأرض قد أطل علينا، ويدرسنا عن حصة العلوم وأن هناك كائنات دقيقة لا نراها بأعيننا المجردة وأن هناك شخصا اسمه لويس باستير قد راها وهي تحوم حولنا وتسبب لنا الأمراض وحدقنا عن كل الجوائح ، حيث حدثنا عن (السل الرئوي) وعن (التيفويد) وعن (الجدري) وعن (الكوليرا)، وربما ساورته نفسه الأمارة بالخير أن يحدثنا عن (الايبولا) و(السارس) و(جنون البشر )و (الكورونا) لو ظللنا نقبع في معيته، لحدثنا عن هذا العالم المليء بالأمراض. ثم ينكفئ علي ذلك الدرج الموضوع أمامه مثل درويش انتابته حالة جذب إلهي فنقوم بإيقاظه حتي يفيق !!؟. هل يا تري هؤلاء معلمين أم شيوخ طرق صوفية قد سلكوا طرقهم، أم ممثلين قد هبطوا إلينا من هوليود ؟؟. أستاذي عبد الله موسي رأيته في العام من القرن الماضي، وفي احتفالات ملكال بعيد الوحدة وهو يلاحظ العمال وهم يشيدون صرح وزارة الشباب . وبعد مرور مياه سنوات عديدة مرت تحت جسر عمري وانا طالب في جامعة الأزهر في كلية اللغة العربية، وجدت قاعدة كنت قد حفظتها من أستاذي مصطفي عثمان أبشر، عن احاديث الغواني عن جميلات اللغة العربية، فبدت لنا (كان) وأخواتها و(إن ) وأنا اعشق الجميلات في اللغة مثل عشقي لكل الأشياء الجميلة في الكون. أن كان أو احدي وأخواتها تدخل علي المبتدأ والخبر ويظل المبتدأ مرفوعا وينصب الخبر. وظل رأسي مرفوعا وانا ادخل عوالم ابن مالك والأخفش وسيبويه.

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني

ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني بقلم / بول فيتر قونج حين أغمض عيني، أرى ملكال. أراها كما كانت، لا كما صارت. مدينة صغيرة لكنها كانت بحجم...