الاثنين، 19 أبريل 2021
السفير السوداني موسس اكول
السفير السوداني موسس اكول
شوقي بدري
17 ابريل 2021
قبل مغادرة الجنوب وانفصاله السياسي فقط وبقاءه في وجداننا كان الاخ موسس اكول سفيرا للسودان في اسطوكهولم . اتى بعد شخصية مميزة وسفيرة متمرسة الاخت زينب محمود التي تركت اثرا طيبا عند السودانيين والسويديين مثل الاستاذة سوسن عبد المجيد من قبلها والاستاذة نادية جفون التي عملت في السويد ثم ترقيت كسفيرة في النرويج وخلفا عن الاستاذه الهام شانتير التي صارت وزيرة للخارجية ، لهن التحية والاحترام .
يجب أن لا ننسى أن من افتتح اول سفارة في اسكندنافية هو العالم الدكتور فرانسيس دينق كأول سفير وكان معه الدبلوماسي الشاعر محمد المكي ابراهيم في تلاحم جنوبي شمالي وقاما ببناء سمعة رائعة للسودان . قام معاوية سورج الذي كافأه نميري على بيع رفاقه الشيوعيين كشاهد ملك في المحاكمات التي ادت الى الاعدامات والسجون بسفارة السويد . قام معاوية في ساعة واحدة بتحطيم ما بناه الرجل الحكيم فرانسيس والشاعر محمد المكي ابراهيم . معاوية في ملهى في اسطوكهولم وملهى ،، الاكساندرا،، وهو مخمور قام بصفع جرسون ومشاجرة ، وعندما اراد ان يقود سيارته منعه البوليس من القيادة . رفض الخروج من االسيارة واضطر البوليس لرفع السيارة والسفير داخلها واظهرته الصحف وعدسات التلفزيون ، والسفير داخل السيارة . تلك كانت سابقة واسوأ فضيحة تعرض لها السودان .
اتى الاخ موسس اكول بعد هذه الظروف الى اسطوكهولم وكان مساعدة الدبلوماسي الابن محمد ادريس الذي شرف السودان بلباقته وادبه . لم تكن مهمة موسس اكول بالسهلة فمن سبقوه كانوا من المتمرسين وبعضهم كسب حب احترام السودانيين والسويديين بالرغم من قبح نظام النميري الذي انقلب على نفسه وبدأت حرب الجنوب الثانية وديمقراطية كسيحة توج كل هذا بكارثة الانقاذ .
تمكن السفير موسس اكول من كسب الحب والاحترام فموسس اعلامي متمكن مارس العمل في امريكا كان متمكننا من اللغة الانجليزية وله مقدرة عظيمة في التواصل بالغة العربية فهو مثل وزير خارجيتنا وقتها دينق الور متخرج من جمهورية مصراحدهم من القاهرة والآخر من الاسكندرية وقبل الجامعة درس احدهم في مدني والآخر في كوستي . الوزير دينق الور من دينكا ابيي وموسس هو شقيق الجنتلمان والوزير العالم لام اكول …..وهم من ملكال التي في القلب . موسس كان اديبا وخطيبا مفوها له كتابات ومواضيع رائعة في الاسافير والصحف السودانية ومقدرة على صياغة الكلمات ورصانة احسده عليها . موسس ذواق للشعر يكاد ان يكون حافظا لكل ديوان شاعر امدرمان حى العرب سيف الدين الدسوقي، كان ديوانه لا يفارق موسس .
الى حد كبير فان تواصلي بموسس كان بسبب الانتماء الى ملكال التي في القلب ولقد حزنا سويا عندما عرفنا الدمار الذي لحق بملكال واعظم المباني والمنشآت الجميلةالتي تقف على اعمدة خرصانية في حى المديرية والتي كادت ان تكون تحفا على شاطئ النيل الشرقي . موسس كان يتألم اكثر فهو ابن حى الملكية الضخم في ملكال ، وقد ولد في ملكال . زياراته لمنزلنا في مدينة مالمو جنوب السويد كانت تسعدنا كثيرا .خاصة والدة زوجتى من الشلك ومنزل والدها الشاويش كان في الملكية وليس بعيدا عن مسكن آل اكول .كما قابل الابن / الاخ عمار خالد واكتشف انهم اخوة في الرضاعة .
كنا نتذكر احياء ملكال مثل اصوصا الذي كانت فيه مدرستنا . مدرسة البندر بالقرب من سوق الدخولية شرق جامع ملكال المبني من الحجر الذي لا يوجد في ملكال والحى الجميل حى الرى المشهور بالحدائق الغناء ، حى صنقعت الذي كان ابعد سكن في جنوب ملكال ، المطار بعد البيطري في شمال المدينة ، حي الدليب والدليب هيل ، سوق ملكال منتزه اركويت عند الميناء النهري الخ . لقد كان عندنا الكثير المشترك . الشئ الوحيد الذي فشلنا في التواصل فيه هو التنس . فعندما اقمت له حفلة شواء حضرها لدهشي حوالى 70 شخص وهذا شئ غير مسبوق ففي العادة أن يعتذر الكثير عندما يتعلق الامر بطاقم السفارالذي كان يمثل الانقاذ . وعندما حضر موسس يحمل معه مضارب التنس الذي كان من ابطاله في ملكال ، كان يتوقع أن اشاركه ، وملاعب التنس موجودة بكثره في كل الاحياء السويدية وتحت خدمة الجميع . صدم موسس عندما عرف اننا في العباسية كانت لنا مواقف عقائدية ضد من يمارسون التنس ومن يحتفلون بعيد ميلادهم . صلاح عبد الفتاح من نمرة اتنين في الخرطوم صاحب اللهجة المصرية كاد ان يفقدني هويتي العبسنجية عندما حضر للعباسية بحثا عني وهو يرتدي ملابس التنس البيضاء ويقود سيارة مرسيدس بيضاء وفرش ابيض !!! قمة الاستفزاز .
موسس طيب الله ثراه هو الذي اخبرني ان الصديق وزميل الدراسة في ملكال فاروق دينق قد التحق بالشرطة وصار معاقا قي احداث الجنوب الدامية . فاروق كان يحب النكتة والدعابة . كان معي في الصف الأوسط . امامي جلس مجذوب يوسف من الدامر وخلفي جلس بخاري محمد على من القيقروبعده فاروق دينق وخلفه جلس العظيم فقوق نقور جوك الذي يحما اسمه ابني فقوق نقور . وعلى يمينه حكيم المدرسة وتاج رأسنا اجوت الاونج اكول من ملوط وعلى يسارة ابراهيم الحاج ابراهيم من فنجاك الزراف غرب النوير اهله من ود الزاكي النيل الابيض . هكذا كنا قديمافي منتهى الحب والاخاء .ولا نزال نتسقط أخبار الرفاق واسرهم .
عندما نظم موسس استقبالا لوزير الخارجية دينق الور في اسطوكهولم كان الحفل جيد التنظيم خفيف الروح ضم سفيرة السودان في النرويج الاستاذة الهام شانتير ، الكثيرين من السفراء الافارقة ، العرب والاوربيين .منهم سفير الكويت . والكويتيون لا يتعبون عند مقابلة السودانيين من الحديث عن القنصل عبد الله الشريع الذي صار اسمه عبد الله جوبا . والكويتيون يعتبرونه طرزان الكويت في ادغال الجنوب . بالرغم من تبجح السفير الكويتيبسيرة غبد الله جوبا كان موسس ودينق الور يستمعون باهتمام واحترام بدون ابداء تأفف اوتململ . هذا قمة الدبلوماسية . كان هنالك سويديين وهم مواطنون عاديون قدم احدهم نفسه كرئيس لنادي التنس الذي تشرف بانضمام موسس اليهم . لا اذكر ان هنالك سفير قد مارس هذا النشاط الرياضي والتواصل مع المواطنين العاديين مثل موسس . وقد اكون مخطئا . هنا الفرق بين السفير عبد اللطيف والسفير موسس اكول الذي تواصل مع الجميع . وهو اول سفير اقيم له حفل وداع في جنوب السويد .موسس طيب الله ثراه حيرني لانه اول سوداني قام باستلاف مجموعة من الكتب من منزلى وقام بارجاعها لآخر كتاب .واظن انه الشخص الاخير الذي يقوم بهذا العمل الجنوني . يقولون ……. احمقان ……من يسلف الكتاب ومن يرجعه .
روعة موسس والتي جعلته دبلوماسيا رائعا هو قدرته على التواصل ، انتزاع الاعجاب الحب والاحترام . لا اذكر ان سفيرا في مدينتنا ومدينة جامعة لند القريبة قد وجد الحفاوة من الجميع مثل موسس . في مشاركاته في مؤتمر القرن الافريقي الذي كانت تنظمه جامعة لند كان موسس لا يغادر مقعده في كل ايام المؤتمر، يستمع بتمعن وعندما يشارك ينتزع اعجاب الجميع .كنت فخورا به كابن ملكال الحبيبة .
في فترة التف بعض الشماليين ومنهم سيدة خاصة حول موسس . وما حيرني كثيرا هو انهم من كان يحمل افكارا عن عدم تقبل الجنوبيين ويحط من قدرهم وهم من يصرح بهذه الافكار . فشلت انا أنا افهم أن عظمة موسس كانت في انه يجتهد في اكتساب الآخرين وهذا هو دور الدبلوماسي وكانت ولا تزال سياستي انا هى المواجهة وكشف الآخرين . أظن ان سياسة موسس انجع ، والآن افهم واثمن سياسة السفير موسس اكول طيب الله ثراه فقد غادرنا قبل ايام .
اتصل بي الابن ماثيانق سريلو رئيس تحرير صحيفة الموقف في جوبا التي لى شرف ارسال كل ما اكتب لها ليخبرني بانتقال موسس الى جوار ربه . كنت اتوقع أن امام موسس طريق طويل من العطاء ليعطي الوطن خبرته ومقدرته العظيمة من الاعلام والدبلوماسية . واستطيع أن اقول انه كان اكثر السفراء في اسكندنافية تواصلا مع السودانيين والمواطنين السويديين وهذا هو المهم . وسيذكرونه لبقية حياتهم .
الفريق محمد احمد زين العابدين صار سفيرا في السويد لأنه كان رئيسا للبشير وعندما ارادوا طرد البشير بسبب تقاربه مع الكيزان وقتله وجرح فتيات في حفل عرس في المجلد واحتماءه بحرسه ثم القاعدة العسكرية . والسفارة كانت مكافأة ، كما تمت تمديد الفترة العادية . وبسبب وضع الفريق الغريب لم يجد التعاطف من السودانيين او السويديين .الفريق الذي لم اسمع به من قبل قام بالاتصال بي ودعاني لزيارته في اسطوكهولم . اخذت معي الاخ ابن زمبيك الحبيبة فيليب دينق بعد أن قطعت 650 كيلومتر . الا ان السفير والفريق قد مارس معنا ،، الزوغان ،، . السبب كان حضور وزير الخارجية مصطفى عثمان شحادين الذي هاجمته ونظامه في اجتماع كوبنهاجن الاحد 12 ديسمبر 1994. هذا السفير لم يعرف كيف ينظم مواعيده . وكان من المفرض أن يعرف وينظم مقابلاته فهو رجل جيش .
في نهاية السبعينات اتى احد رجال النميري كسفير واسمه عبد اللطيف . على عكس السفير موسس اكول لم يكن له اى اتصال بالسودانيين . قابلت ابن عمه الذي يعمل في الخطوط الليبية الذي كان في زيارة عبد اللطيف . تقابلنا فى الطائرة المتجهة الى السودان . وعرفت منه ان عبد اللطيف يقول …. انا ما عندي صلة بالسودانيين في السويد ، والسودانيين ما قادرين يفهموا انو انا مش سفير للسودانيين ، انا هني السفير للسويديين ….. تصور !! هذا التصرف الغريب كان يختلف تماما عن تصرف موسس طيب الله ثراه . الذي كان يقطع 650 كيلومتر لكي يشارك في مناسباتنا حفلاتنا . له الرحمة . كان موسس نشطا اجتماعيا . اذكر انه نظم زيارة الفنانة العظيمة نانسي عجاج لاسطوكهولم . كما كان يمارس الكثير من الاعمال في السفارة لتخفيف العمل على الكادر الذي لم يكن ابدا متكاملا . كان يمارس في كثير من الاحيان العمل القنصلي عندما لا يكون القنصل موجودا وقد يستمر هذا لاسابيع .موسس كان نقلة جميلة . المؤلم ان الموت قد اختطفه .
السفير عبد اللطيف سلم كل شئ في السفارة لضابط الامن محمد مهدي المجذوب الذي حاول أن يجندني لصالح السفارة. اثنين من الدكاترة الدنماركيين وثلاثة ممرضات تحصلوا على معدات وامصال وادوية لعلاج السل الذي يفتك باهل الشرق . وكانوا سيقضون 5 اشهر في السودان وهذا سيحرمهم من مرتباتهم وسيمولون رحلتهم بمواردهم الخاصة . واذا نجحت الحملة ، ستقوم حكومة الدنمارك بشن حملة كبيرة للقضاء على مرض الدرن ،، السل ،، في شرق السودان . اتصل بي اخصائي الصدرية عبد الرحمن عبد الحميد عثمان زميل براغ لمساعدتهم لأنه كان يعمل في السعودية . وبعد أن دفعت الف كرون رسوم فيزة الدخول لانني خجلت من اخبار الدنماركيين ان السفارة طالبت ب30 دولار لكل فيزة وهم ذاهبون لمساعدة السودان . والمؤلم ان عبد اللطيف وود المجذوب رفضوا السماح للدنماركيين بالذهاب الى السودان . السبب كان ….. لماذا الشرق الجزيرة فيها سل ؟ عبد اللطيف كان من مدني !! هنا الفرق بين موسس الذي يتواصل مع الجميع ومن يعتبرون منصب السفير غنيمة .
في ايام مؤتمر القرن الافريقي هرع بعض الصوماليين لمصافحة موسس لانهم قابلوه في بعض الفعاليات العامة في امريكا . كان موسس يتذكرهم جيدا وسأل احدهم عن شقيقه الخ . ولهذا استطيع أن اقول أن موسس هو السفير الذي تواصل وسافر اكثر من البقية . يؤلمني انه قد غادرنا . اذكر زواجه قبل عقد من الزمان .وبالرغم من الالم لموته ، الى انني سعيد بأنه قد خلف اثنين من الابناء من زوجته سوزان لها احر التعازي واتمنى أن يأخذ الله بيدها ويجبر كسرها . والعزاء الى الدكتور لام اكول .
من الاشياء الرائعة ، أن الاخ برشم الذي اتت به السفيرة زينب محمود من السودان كطباخ ماهر قد واصل مشواره مع موسس وكان يجد اطيب علاقة مع موسس . عند زواج برشم في ام درمان بيت المال قام موسس بزيارته وتهنئته بزواجه . في زيارة موسس الاخيرة لاسطوكهولم قام بالاتصال بي والبعض من السودانيين . هذا التصرف الجميل لانمارسه نحن السودانيون في العادة . واذكر ان الابن الدبلوماسي محمد ادريس قد اتصل بي كذلك . السودانيون لا يتصلون بعد سفرهم وليس لانهم غير اوفياء ولكن فقط لانهم لا يهتمون او يتكاسلون . السفير في اسطوكهولم السيد ابوبكر حسين والابن الرشيد البصيلي وطاقم السفارة الحالي حتى الموظفين المحليين منهم الابن رعد لا يمتلك الانسان الا أن يشيد بهم ، لهم كثير الشكر والتحية .
كركاسة
في الفترة الاخيرة كنت افكر كثيرا في موسس طيب الله ثراه . فكرت في اهل ملكال وزميل الدراسة المناضل العظيم اسماعيل سليمان من كاجو كاجي صاحب العيون الواسعة التي تنطق بالطيبة والمودة . والبارحة حلمت بمقابلته . الغريب اننا لم نتقابل منذ نهاية ابريل 1959 .
shawgibadri@hotmail.com
الراكوبة
الأربعاء، 14 أبريل 2021
ملكال - ذكريات الزمن الجميل
ذكريات الزمن الجميل
فيصل كوري
دعونا نسترجع بعضا من ذكريات الزمن الجميل لعلها ترسم في شفاهنا بسمة في زمن الوجع صحيح نفترق وافترقنا والذكرى تاني وتاني بتلمنا ولا نمل الحديث عن التربة التي وضعنا فيها بذرة حتى استوت شجرة ارضعتنا المحبة والالفة وحلو العشرة وكانت لنا ايام.
الصورة لواحد من قامات الفن فنان وانسان ظل يغني لنا ويطربنا ويشجينا والليل كان مازال طفل يحبو كانت لنا لمات وضحكات وونسات وافراح انه فنان ملكال من الملكية التي هي دوما جميلة وقيافة
محمد جمعة امان يحتضن العود وبانامله يرسل الالحان ويطربنا ويسعدنا ونغني ونرقص وفي الانتظار كوكبة من الاقمار والنجوم احمد سليمان كونكورد. المبدع الموسيقار الدرديري محمد الشيخ المهندس عبد الكريم مصطفى اخو قوية ومحمود ميرندا ومن الجلابة مختار وداعة والفاضل ازرق متلهف ليقدم وصلته ومعتصم على الايقاع ورمضان صباح الخير يدوزن اوتار الجيتار وود القريت يحتضن الكمان وصولا من العجلاتي عبد الله ابكر والبداية مقطوعة القمر نعسان يا فهيمة وفاصل من فرقة جاز البوليس ناس براون واستعراض راقص وسط الحلقة ناس عز الدين وكويلا وصالح سليمان بعد ما يزيد نفس الرتيزة ونرقصوا مع بنات حلتنا ونوصلهم بعد الحفلة وياخرنا صوت يشق صمت الليل وما زال الليل طفل يحبو
فيا لها من ايام
حيا الله الاخوات والاخوان ناس ملكال الظراف الحنان ورحم الله الارواح التي لبت النداء وصعدت الى السماء وامد في عمر الاحياء واقول:
ان عز في الدنيا اللقاء
ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا!!!
رمضان كريم وتذكروا الافطار بعد سماع صفارة الري
تقبل الله منكم الصيام والقيام وصالح الاعمال
الأحد، 11 أبريل 2021
ملكال التي في خاطري
"ملكال التي في خاطري"
في ميدان البوليس الذي يقع قبالة مدرستنا ملكال الأميرية تلك البقعة الرائعة فهي جنوب مصلحة التربية مباشرة وهي شيدها عمنا المقاول الجاك صالح في بدايات خمسينيات القرن الماضي. ثلاث فصول في شرقها وثلاث فصول في الغرب وفي المنتصف مكتب الناظر ومكتب المدرسين جوار البعض ونعمل في الجهة الشرقية وميز للمدرسين يومها لا أحد يسكنه. وداخلية ومطعم في الجهة الجنوبية ثم مدرسة (التدريب)التي تتبع لمعهد التربية الذي يقبع جوار المدرسة. ومعهد التربية كان عبارة عن مباني خشبية من خشب المهوقيي شرق وغرب وبينهم فضاء فسيح ومكاتب إدارية في الجهة الشمالية.
تجاورهم من الجهة الغربية مدرسة البوليس وميدان الكرة وتلك الشجرة الضخمة التي كنا نلوذ بها في حصة الدين حينما أتي استاذ داعشي في ذلك الزمان شديد الضرب قاسي التوبيخ قادما من جامعة ام درمان الإسلامية ، فقاطعنا حصصه ولذنا بتلك الشجرة حفاظا علي ديننا .
لا أدري ما سر تلك المنازل التي تجاور ذلك البيت الملحق بالمدرسة وهو ميز المدرسين علي شرقه كانت هناك منازل متراصه مبنيه من الطوب الأحمر يسكنها عساكر البوليس وربما هي المنطقة التي كانت معتقل الاسري الأثيوبيين أبان الحرب العالمية الثانية وهو حي (اصوصا ).
ولكن تلك الشجرة الضخمة ربما كانت ( جميزه) وربما تبلدية وارفة الظلال فكثير من الطلاب في حصة الدين من مسلمين ومسيحيين كانوا قد لاذوا بها حماية لدينهم من ذلك الأستاذ الداعشي كما أسلفت في قولي. ثم ذلك الميدان والفراغ العريض حتي صفة النهر حيث تجد فتية النهر وهم عراة كما ولدتهم أمهاتهم يسترون توارتهم بماء النهر. وهم عاطف سليمان عبد الرحمن عادل علي البله والبله الحسين وقاسم حسن فحل ومحمد علي الاسيوطي وبدر الدين أحمد المرضي وماركو وصلاح حامد وجاد كريم حامد اب شنب وأسامه محمود شقيق زوجة جوزيف لاقو وأحمد حسن النقي وكثيرون ممن يغادرونظ المدرسة بعد الحصة الرابعة يذهبوا الي تلقي علوم أخري عجز منهج محي الدين صابر عن توفيرها لهم . فهربوا الي ضفة النهر هربا مشقة عنت الذيود ومن عمرو ومن اعرابه.
. علي ضفة النهر كنا نتبادل كتب ونجلس ونحكي محتويات تلك الكتب أذكر منها روايات بيار روافائيل ويوسف روفاييل وقصص الحب التي تثير فينا كوامن شجية رغم عدد صفحاتها الذي يفوق الاربعمائة من الصفحات إلا انها كانت وجبة جديرة بالالتهام في ليلة واحدة وربما ضوء الشموع، لازلت أذكر رواية (العسل المر) وروايات أجاثا كريستي وسلاسل الفريد هتشكوك وأرسين لوبين وطرزان وسلسلة الهارب كلها تحرضك علي التمرد وتجعلك تلوذ بتلك الشجرة شمال مدرسة البوليس حماية وخوفا علي دينك.
الأربعاء، 7 أبريل 2021
ملكال
بقلم: ياسر محمود سيدأحمد
*****
كانت سماء ملكال مسقط رأسي ومهد طفولتي وصباي لوحة مرسومة بأقواس قزح ، ولياليها المضاءة بنو اليراعات التي تطير في فضاءاتها الرحيبة فتحلق في أفقها البعيد وتملأه شعاعا ، كم طابت لنا يومها فكرة ذلك الطالب الصيني والذي حدثنا عنه كتاب المطالعة وهو يحشد اليراعات داخل زجاجة أضحت كوكب دري ، ولكن ملكال لا شرقية ولا غربية ، زيتونة يكاد زيتها يضيء ، في تلك السنوات الباكرة وأنا يافع غر أصطاد اليراعات لأصنع منها قنديل أخضر كما أقتات المعرفة الممزوجة بالخيال المستمد من حكاوي كتب المقررات وأحاجي الجدات عن الأرواح وأحاديث الأسلاف ، وحكاوي الناس وطرق كسب رضائهم ، وقبل ذلك كانت كتب الدراسة تتحدث عن (سبل كسب العيش في السودان) والرحلات الافتراضية التي كانت تتم داخل الفصول والتلاميذ يسافرون إلي (قولد) الصديق ليأكلون معه (الكبيته) والتلاميذ يرددون
فى القولد التقيت بالصديـق
أنعم به من فاضل ، صديقى
خرجت أمشى معه للساقية
ويا لها من ذكريات باقيــة
فكم أكلت معــه الكابيدا
وغدا تجدهم في رحاب (منقو زمبيري) في أقصي الجنوب كأنهم امتلكوا ذلك البساط السحري الذي يسافر بلا قيود ، مثل أسفار متصوفة سنار كما ذكر محمد ود ضيف الله صاحب كتاب الطبقات . كما مثل ريميدس الجميلة التي طارت وهي تنشر غسيل ملأتها من شرفة ما في قرية (ماكوندو) في رواية ماركيز (مائة عام من العزلة ) . عاش تلاميذ السودان تردد حناجرهم الغضة مدة تجاوز الخمسين عاما هذا النشيد :
ما زلت فى رحلاتي السعيدة
حتى وصلت يا مبيو البعيدة
منطقة غزيرة الاشجــار
لما بها من كثرة الأمطــار
قدم لى منقو طعـام البفره
وهو لذيذ كطعام الكســـره .
حين أخبرني اخ أكبر في أواخر الألفية الماضية وعلامات الحزن باديه عليه بأن الصديق قد مات ، وقفت لأعزيه في فقده الجلل فقد خلته أحد أقاربه ، وحين شرح لي من هو الصديق الذي خلته من شخصيات المربي الأستاذ عبد الرحمن علي طه مثل شخصيات توم أند جيري التي ابتكرها (والت ديزني) ، لم أعرف طوال تلك السنوات إن الصديق شخصية لها لحمها ودمها ، فلم يخبرنا أحد الأصدقاء بوفاة منقو زمبيزي هل يعيش بيننا وقد تجاوز عمره أكثر من المائة عام من الحياة ،
اخبرته بأني (شليق) منذ الطفولة الباكرة أحاول أن اتعرف علي الاشياء التي تكبرني منذ أن ذبح مسعود الخروف وحكايات أخري فقد عرفت المدونة الطبيعية والصديق وجون في استراليا وفو في الصين ، حتي تعرف علي مدي أمميتي ، ومنقو زمبيري يوم كان بيتنا واحد ، أخبرت صديقي بشغفي بحكاوي الكبار والتلصص علي مقرراتهم الدراسية منذ أن علي المهد صبيا ،
لكن صدقوني لم اعرف أن الصديق شخص من لحم ودم . بل اعتبرته مثل شخصيات (ميكي ماوس) التي اخترعها (والت ديزني ) . وان الصديق من اختراعات عبد الرحمن علي طه وأن بخت الرضا لم تكن سوي ( ديزني لاند ) حاول عبد الرحمن علي طه أن يلهب أخيله القرويين السودانيين من أبناء ذلك الجيل . وأن (الكبيته) هي المقابل الموضوعي لجاتوه (ماري انطوانيت) زوجة لويس الخامس عشر في المسرحية التي كانت تدرس لطلاب الثانويات حيث كنت أتلصص علي مقرراتهم .
كأنما ملكال الرابضة في ضفة النهر الشرقية كانت مدينة شادها فنانين ينتمون الي مدارس فنية مختلفة جعلوا لها رصيف نهري طويل جلبوا له الحجارة من مناطق بعيدة ، بنوا سوقها ، وجامعها ٱية من الروعة والجمال ، مباني الري المصري ٱية من الروعة المصالح الحكومية ، مدينة حديثة بنيت بمنتهي الجمال وغاية الأناقة أتي اليها العاشقين من كل صوب أرتالا ، منهم من قدم إليها من التوفيقية التي تربض بقايا آثارها جنوب المدينة ، وعشاق آخرون عبروا عباب النهر حتي وصلوها بسلام ٱمنين ، كأنما هي فردوس وعدوا به , فاتخذوها وطنا لهم تحابوا وتصاهروا فيه ، فما ببن سكان بحر أبيض اتصال ، تمخر مراكب أهل الشمال عباب النهر ، وتستمر غزوات الشلك طوال عهد الدولة السنارية ، فالمدينة الرابضة في ضفة النهر الشرقية يجعل منظر الغروب كأنما الشمس تغيب في غيابة النهر ، ذلك المشهد الذي يراه سكان المدينة كأنما الشمس و(نيكانج) صارا ذات واحدة و(نيكانج ) ذلك الإله الأسطوري الذي أتي من النهر وأفل داخل ذات النهر ، فذلك من فيوض الديانات القديمة ، هؤلاء القوم الذين شاع بأسهم وهم يهددون الدولة السنارية ، ويهددون حكم بادي الثاني ، لا يمل ود ضيف في طبقاته عن زكرهم ، قتلوا الشيخ سماعين صاحب الربابة جنوب الدويم وسيطروا علي الكوة وربما كانت هذه أراضيهم ، واستولي عليها تحالف العربان عرب القواسمة ، مع الفونج ، لكني قرأت أن الشلك قد دمروا قرية الخرطوم في العام ،١٧٨٠م وحين تم فتحها في عهد محمد علي باشا وجدوها مدينه أشباح ، ليس بها إلا مباني مهجورة وقبور.
النيل ذلك الاله الأفعى كما وصفه مصطفي سعيد في رواية الطيب صالح موسم الهجرة الي الشمال لمعشوقته (ٱن همند) ، وكما قال الشاعر ادريس جماع
والنيل من نشوة الصهباء سلسلة وساكنو النيل سمار وندمان
وخفقة الموج أشجان تجاوبها من القلوب التفاتات وأشجان .
فسكان بحر أبيض باختلاف أعراقهم هم سكان النيل وندمائه .
قبل سنوات قليله أتاني شخص سبعيني من أهلنا الجموعيه ، وهو يحمل شهادات بحث لأراضي بقرية في الجموعية جنوب أم درمان تحمل اسم (فشودة ) ، وكم كنت في حيرة وحين سألته أجابني بأن هذا اسم قريتهم منذ مات السنين فتساءلت لماذا أنحسر مد الشلك .
منذ سنوات الجامعة بالقاهرة بمصر كان يأتيني صديق مدرسة البندر الابتدائية بملكال أبان جيمس الطالب بجامعة الاسكندرية وهو يعطر الليالي وسمرها بأحاديث الشلك وفتوحاتهم بقيادة (نيكانج) المحارب ، وقدومهم من منطقة البحيرات حتي وصولهم لمصر والتي توجد لفظها في لغتهم فيطلقون عليها (بودريب) .
أذكر في احتفالات المولد النبوي الشريف بملكال ، حتي تئن ضربات النوبة وتئن أفئدة هؤلاء الأفارقة ، والذين اتخذوها بديلا للنقارة .
حكي لنا ابن الشيخ المكاشفي الذي حل ضيفا علي دارنا بملكال في سبعينات القرن الماضي ولا أدري ، ربما التلمذة تعني الأبوة لدي الصوفيين ، أبوة رمزية ربما ، حيث حكي بأن الطبل حين يهدر في قري شمال أعالي النيل ، فيجتمع الناس أفواجا بنظرون ، وتذبح الثيران والناس يأكلون حتي يشبعون ، ثم يتسٱلون عن مغزي ذلك فيجيبهم أحد أبناء المنطقة وبلسانهم المبين ، أن هذا نور الهدي ، وأنه النور العظيم الذي بهدي للصراط المستقيم ، فيدخل الناس في دين الله أفواجا ، وبذات الطريق بالحسني والذي دخل فيه أحفاد قلاوون ملك النوبة ، فلا أحد يسألهم عن فقههم ؟؟، ولا كيف يتزوجون ؟؟ ولا كيف يطلقون ؟؟.
حدثنا محمد ود ضيف الله في طبقاته بأن المرأة كانت تطلق وتتزوج في ذات الليلة إلا أن فقيه أزهري كان قد وفد إليهم. . وأعلمهم أن هناك عدة للمرأة ، لابد من تمامتها .
تمخر بك الباخرة عباب النهر وأنت تصعد النيل كما يقول أهلنا ، (المندليه ) وتلك العبارة تعني ( النوتية) الذين كانوا يجوبون عباب النهر صعودا ونزولا منذ فجر تاريخ بعيد ،
هم من قادوا تلك الأفلاك ، وهم من نواتي نبي الله (الخضر ) .
يقول الشيخ (بابكر بدري) في كتابه (حياتي) بأنه حين هم ببناء مدرسة الأحفاد القسم الثانوي ففي العام ١٩٤٦م أرسل ابنه يوسف بدري بالطائرة إلي ملكال للاكتتاب وجمع التبرعات فتم جمع مبلغ ٢٣٨جنيها بمساعدة التاجر عبدالله الحاج محمد علي والموظف معني محمد حسن وقد كان اكتتاب الموظفين في ملكال من أكبر الاكتتابات التي جمعت كما ذكر الشيخ بابكر بدري فهذا النسيج الاجتماعي ظل الكرم هو ديدنها علي مر تاريخها ، تمر السنوات وبيت الأزهري الذي شغل السياسيين والعامة فها هو إسماعيل الأزهري يطلب من تجار المدينة عونا فلم يتوانوا في استجابتهم الفورية وبكل الأريحية والنبل والأزهري عائد من منفاه في الرجاف كما في الوثيقة الشهيرة ، فقصة الحب التي تم بنائها بأعواد (السيلك) والقنا المضلع كظهر الثور ، مثل ما وصف الطيب صالح في موسم الهجرة للشمال الغرفة التي شادها مصطفي سعيد علي قرية ود حامد الرابضة عند منحني النيل ، ولكن عند بحر أبيض في ملكال تشيد مباني الحب جدرانها (بالشرقانيات ) من نبات (الطرور) و(النال) الذي يعبق بروائحه عند هطول الأمطار ، فيعطر المساءات ، أما الطين اللزج الممزوج بروث الأبقار له عبق ، ما أن تشتمه حتي تحس أنك موجودا ، وأنك حي ، تستنشق ، وأنك مكتمل الحواس ، فرؤية اليراعات التي تطير في أوائل الليل خير دليل علي أنك كائن مبصر ، وإحساسك بلدغ البعوض أنك شهادة بأنك حي ترزق ، وصوت النقاقير والطبول القادمة من البعيد تحملها الرياح وتردد خلفها الضفادع النقيق تأكد بأنك مكتمل الحواس وأن قلبك أخضر وينبض ويخفق ، وتأكد أنك مشروع للحب وللحياة والجمال لايزال صالحا .
فالكثيرون سيروون عن قصص حبهم وعن كيف بدأت وكيف انتهت ، فالحب ليس رواية شرقية تنتهي بزواج الأبطال كما قال لنا في سنوات عمرنا الباكرات الشاعر نزار ، فحب المدائن والأنهر والعرصات المتسعة لا يحتاج لمن يكتبون له ورقة وشهود ونحن ننتمي فقط للإشهار ، فملكال هي قصة الحب التي لا تزال في خاطري
لكن ياملكال سنعود مثلما تعود الطيور إلي أوكارها ومثلما تعود الأسماك الي أنهارها ، ففي ذات صباح من صباحاتك المكللات بالندي الذي يبدو علي نباتاتك الخضراء كاللؤلؤ المنثور سنعود إلي سماواتك المتشحات بسحائبك الزرقاء الرمادية الألوان ، سنعود لطينك ولأمطارك للبرق والرعود ، سنسير في شوارعك نسير مصطفين ، ترقبينا فالأبناء لابد لأمهاتهم أن يعودوا ذات صباح جميل ، فأنت لن تموتين ، فقط تمرضين ثم تطيبين ، ماكال حين نعود سنقرأ عليك كل التعاويذ من الديانات الأرضية وسيقرأ عليك أصحاب الديانات السماوية كل الأناجيل ، سيأتيك (نيكانج) الذي سيخرج من عمق النهر ليعيد مباركتك ، سنأتي نحن المسلمون لنقرأ عليك قرآن الفجر ، وإن قرآن الفجر هو أحسن قرآنا . وبسم مسجدك الفخيم والذي كتب علي محرابه آية الله الكريمة ، ( كلما دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ..) فملكال ستجد رزقها عند أبنائها الهائمون في مدن تكاد تموت من البرد حيتانها ، وفي مدن الملح في الخليج ، أو في معسكرات النزوح أو في ديسابوارات أخري ، فكل هذه المنافي لابديل لها سوي الأوطان ، فوطنك هو ذلك الذي يراودك في أحلامك ، حيث مراتع الصبا التي لن تنمحي صورها وتظل ضد النسيان.
من منتدي ناس ملكال
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني
ملكال… المدينة التي حملتني وحطمتني بقلم / بول فيتر قونج حين أغمض عيني، أرى ملكال. أراها كما كانت، لا كما صارت. مدينة صغيرة لكنها كانت بحجم...

-
الشهيد/ احمد الرضي جابر عمل بالتدريس وتدرج حتى مرتبة الموجه التربوي ومساعدا للمحافظ للشؤون التربوية بمحافظة اعالي النيل (ملكال) وكان س...
-
أسماء خالدة في ذاكرتنا : العم عبيد محمد نور. .. كتب حسن عثمان/ وحسن قسم الله ابوجميل عبيد محمد نور صاحب أشهر بازار فى الإقليم الجنوبي. ...
-
معلومات مهمة وتاريخية عن مدينة ملكال... *تحويل عاصمة المديرية لمدينة ملكال كان ذلك عام 1916 ولم تكن هى العاصمة قبل ذلك التاريخ بل كانت العا...